قال العلامة شيخ الاسلام ابن قيم الجوزية – رحمه الله وطيب ثراه –
( ... السبب السابع : تجريد التوبة إلى الله ، من الذنب الذي سلطت عليه
أعداءه فإن الله تعالى يقول {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }الشورى30 وقال لخير الخلق ، وهم أصحاب نبيه دونه صلى
الله عليه وعلى آله وسلم {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ
أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ
أَنْفُسِكُم }آل عمران165
فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه ،
وما لا يعلمه العبد من ذنوبه ، أضعاف ما يعلمه منها ، وما ينساه مما عمله ، أضعاف ما يذكره
وفي الدعاء المشهور ( اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك ما لا أعلم )
فما يحتاج العبد إلى الاستغفار منه مما لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه ، فما سلّط عليه مؤذٍ إلا بذنب .
ولقي بعض السلف رجلٌ فأغلظ له ونال منه ، فقال له قف حتى أدخل البيت ، ثم
أخرج إليك ، فدخل وسجد لله وتضرع إليه وتاب ، و أناب إلى ربه ، ثم خرج إليه
فقال له : ما صنعت ؟ فقال : تبت إلى الله من الذنب الذي سلطك به عليّ
، فإذا عوفي العبد من الذنوب عوفي من موجباتها، فليس للعبد إذا بغى عليه و أوذي وتسلط عليه خصومه شيء أنقع له من التوبة النصوح.
والاستغفار
وعلامة سعادته : أن يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه ، فيشتغل بها
وبصلاحها وبالتوبة منها ، فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما نزل به ، بل يتولى هو
التوبة وإصلاح عيوبه ، والله يتولى نصرته وحفظه ، والدفع عنه ولا بد ، فما
أسعده من عبد ، وما أبركها من نازلة نزلت به ، وما أحسن أثرها عليه ، ولكن
التوفيق والرشد بيد الله لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع فما كل أحد
يوفق لهذا ، ولا معرفة به ، ولا إرادة له ، ولا قدرة عليه ، ولا حول ولا
قوة إلا بالله .