دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أحَبَّنِي اللهُ وَأحَبَّنِي النَّاسُ
قال اللـه تعالى: (قلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى).قال البغوي:( قُلْ ) يا محمد، ( مَتَاعُ الدُّنْيَا ) أي: منفعتها والاستمتاع بها ( قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ ) أي: وثوابُ الآخرة خيرٌ وأفضل، ( لِمَنِ اتَّقَى ) الشرك ومعصية الرسول.
· تعريف الزهد: الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال، فتصغر في عينك، فيسهل عليك الإعراض عنها.
· قال الإمام أحمد:الزهد في الدنيا: قصر الأمل.
· وعنه في رواية أخرى: أنه عدم فرحه بإقبالها، وعدم حزنه على إدبارها. فإنه سئل عن الرجل يكون معه ألف دينار هل يكون زاهدًا؟ فقال: نعم على شريطة ألا يفرح إذا زادت، ولا يحزن إذا نقصت.
· الزهد في الدنيا حث اللـه عليه في كتابه، وحببه إلى خلقه، ومدحه، ونفّر من ضده، وذم الرغبة في الدنيا والإعراض عن الآخرة. قال اللـه تعالى: ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ).
· قال صلى اللـه عليه وسلم: (لو كانت الدنيا تعدل عند اللـه جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة) رواه مسلم.
· حكمة بليغة: ذُكرت الدنيا عند الإمام أحمد فقال: قليلها يجزئ، وكثيرها لا يجزئ.
· حقيقة الزهد إن الزهد ليس هو الفقر، وليس هو أن تُعرض عنك الدنيا، فتعرض عنها؛ ولكن الزهد أن لا يكون المال في قلبك، ولو كان المال في يدك.
· كيف تكون زاهدا في الدنيا:
1- أن يكون العبد بما في يد اللـه أوثق منه بما في يد نفسه، وهذا ينشأ من صدق اليقين وقوته، فإن اللـه ضمن أرزاق عباده، وتكفل بها، كما قال: ( وما من دابة في الأرض إلا على اللـه رزقها).
2- أن يكون العبد إذا أصيب بمصيبة في دنياهمن ذهاب مال أو ولد، أو غير ذلك، أَرْغَب في ثواب ذلك مما ذهب منه في الدنيا أن يبقى له، وهذا أيضاً ينشأ من كمال اليقين.
3- أن يستوي عند العبد حامده وذامُّه في الحق، وهذا من علامات الزهد في الدنيا واحتقارها، وقلة الرغبة فيها، فإن من عظمت الدنيا عنده أحبّ المدح وكره الذم، فربما حمله ذلك على ترك كثير من الحق خشية الذمّ، وعلى فعل كثير من الباطل رجاء المدح.
- فمن استوى عنده حامده وذامه في الحق، دل على سقوط منزلة المخلوقين من قلبه، وامتلائه من محبة اللـه، وما فيه رضا مولاه.
· الفرق بين لذات الدنيا والآخرة:قال ابن القيم: لذة الآخرة أعظم وأدوم، ولذة الدنيا أصغر وأقصر، وكذلك ألم الآخرة وألم الدنيا، والمعول في ذلك على الإيمان واليقين، فإذا قوى اليقين، وباشر القلب؛ آثر الأعلى على الأدنى في جانب اللذة، واحتمل الألم الأسهل على الأصعب.ا.هـ
( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ).
· الزهـد راحـة:
· كان بعض السلف يقول:الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن، والرغبة فيها تكثر الهم والحزن.
· لا يجتـمـعـان: قيل: إن اللـه تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: إني حرمت على القلوب أن يدخلها حبي وحب غيري، يا داود: إن كنت تحبني فأخرج حب الدنيا من قلبك، فإن حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد، يا داود: من أحبني يتهجد بين يدي إذا نام البطالون، ويذكرني في خلواته إذا غفل عن ذكري الغافلون.
· وصـف الـدنـيـا: قيل لعلي بن أبي طالب رضي اللـه عنه : صف لنا الدنيا، قال: أطيل أم أقصر؟ قالوا: بل أقصر، قال: حلالها حساب، وحرامها عذاب.
· ثمرات الزهد:
1- الحرص على لقاء اللـه تعالى.
2- عدم التعلق والتحسر على الدنيا.
3- حفظ المسلم من فتنة الرئاسة والجاه.
4- حفظ المسلم من فتنة المرائي والمسموعات، التي تصد عن ذكر اللـه، وعن الصلاة.
5- حفظه من فتنة النساء.
6- حفظه من التعلق بالحرام، وإبعاده عن الشبهات التي توقع فيه، والشهوات التي تؤدي إليه.
7- قال الفضيل بن عياض: حرام على قلوبكم أن تصيب حلاوة الايمان حتى تزهدوا في الدنيا.
· كيف تتم الرغبة في الآخرة؟ قال ابن القيم: لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا ، فإيثار الدنيا على الآخرة إما من فساد في الإيمان ، وإما من فساد في العقل ، أو منهما معاً.ولذا نبذها رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم وراء ظهره هو وأصحابه ، وصرفوا عنها قلوبهم ، وهجروها ولم يميلوا إليها ، عدُّوها سجناً لا جنة ، فزهدوا فيها حقيقة الزهد ، ولو أرادوها لنالوا منها كل محبوب ، ولوصلوا منها إلى كل مرغوب ، ولكنهم علموا أنها دار عبور لا دار سرور ، وأنها سحابة صيف ينقشع عن قليل ، وخيال طيف ما استتم الزيارة حتى أذن بالرحيل .
· الأسباب المعينة على الزهد في الدنيا:
1- النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها ونقصها وخستها وما في المزاحمة عليها من الغصص والنغص والأنكاد .
2- النظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من الخيرات.
3- الإكثار من ذكر الموت والدار الآخرة .
4- التفرغ للآخرة والإقبال على طاعة اللـه وإعمار الأوقات بالذكر وتلاوة القرآن .
5- إيثار المصالح الدينية على المصالح الدنيوية .
6- البذل والإنفاق وكثرة الصدقات.
7- ترك مجالس أهل الدنيا والاشتغال بمجالس أهل الآخرة.
8- مطالعة أخبار الزاهدين وبخاصة سيرة النبي صلى اللـه عليه وسلم وأصحابه.
· إن الزهد في الدنيا ليس من نوافل القول، بل هو أمر لازم لكل من أراد رضوان اللـه تعالى والفوز بجنته ، ويكفي في فضيلته أنه اختيار نبينا محمد صلى اللـه عليه وسلم وأصحابه. وهو الطريق إلى محبة الله ومحبة الناس أيضاً ففي الحديث : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يَا رسولَ الله ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أحَبَّنِي اللهُ وَأحَبَّنِي النَّاسُ ، فقال : (( ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبّك اللهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبّك النَّاسُ ))