BaNaT WbS مديرة منتدى بنات وبس ~
عدد مسآهمآتي ~ : 978 نقآططي ~ : 2177 العمر : 25 سٌّمعَتي ~ : 0 مززآججي ~ : دَولِتے ~ : جنســــيے ~ :
| موضوع: نظرات في العصر الأموي (2 ) الإثنين يونيو 06, 2011 6:34 pm | |
| فقد تطرق بنا الحديث ـ أيها القراء الكرماء والكريمات ـ في الحلقة السابقة عن الظروف التي نشأت فيها الدولة الأموية ، ورأينا كيف استطاع معاوية ـ رضي الله عنه ـ أن يحافظ على وحدة المسلمين ، وأنه بذل ما في وسعه ليبقي للدولة الإسلامية كيانها ، وأنه اضطر تحت ضغط المتغيرات التي أصابت العالم الإسلامي وغلبة العصبية إلى أن يعهد لابنه يزيد بالخلافة من بعده ، وأنه أوصاه قبيل موته قائلا : انظر أهل الحجاز فإنهم أصلك، فأكرم من قدم عليك منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق، فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل، فإن عزل عامل أحب إلي من أن تشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك، فإن نابك شيء من عدوك فانتصر بهم، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم، فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم أخذوا بغير أخلاقهم، ... ثم أغمي عليه ثم أفاق، فقال: لمن حضره من أهله: اتقوا الله عز وجل، فإن الله سبحانه يقي من اتقاه، ولا واقي لمن لا يتقي الله؛ (1) ..
وصعدت روحه إلى السماء بعد أن ترك ليزيد تركة ما أثقلها ، إذ ما إن ولي الخلافة حتى ظهرت بوادر الاعتراض على إماراته ، فقد أرسل إلى المدينة ليأخذ البيعة من أهلها ، فبايعه أهلها إلا عبد الله بن الزبير والحسين ، حيث أبيا وخرجا من ليلتهما إلى مكة، وفي الطريق لقيهما ابن عباس وابن عمر ـ رضي الله عنهم جميعا ـ فسألاهما، ما وراءكما؟ قالا: موت معاوية والبيعة ليزيد (2)؛ وأحس ابن عمر أنهما خرجا من المدينة فرارا من مبايعته فقال لهما : اتقيا الله ولا تفرقا جماعة المسلمين (3) . لكنهما لم يستمعا لنصحه ، وذهبا إلى مكة ليحتميا بالحرم من الطلب.
وفي مكة أعلن الحسين وعبد الله بن الزبير امتناعهما عن البيعة فترفق بهما والي مكة عمرو بن سعيد ، ولان في معاملتهما ، ولم يشتد عليهما في طلب البيعة ، ومكثا فترة على تلك الحالة حتى كتب أهل الكوفة إلى الحسين ، يصفون الأمراء بغير ما فيهم ، ويدعون الحسين للخروج إليهم لتغيير هذا المنكر ، وجاء في أحد كتبهم : بسم الله الرحمن الرحيم. لحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلامٌ عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة ( يقصدون معاوية رضي الله عنه ) فابتزها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمر عليها بغير رضاً منها، ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولةً بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود! إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله؛ والسلام ورحمة الله عليك (4) .
وكانت تلك الرسالة بمثابة الشرارة التي أشعلت النار في جسد الأمة الإسلامية ، ولا أكون مبالغا إذ قلت : إن أثر نيرانها ما زال مشتعلا في فتنة السنة والشيعة كلما خبا وجد من ينفخ فيه ليزداد اشتعالا ..
وحركت تلك الرسالة ثائرة الحسين رضي الله عنه ؛ إذ كيف يرى ظلما كالذي وصف في تلك الرسالة ولا يهب لتغييره ، ولم يعطه شيعة العراق فرصة لتبين الأمر ، وإنما انهالت عليه رسائلهم ، رسالة تلو رسالة ، حتى كتبوا إليه مغرين أو قل : مغررين : أما بعد فقد اخضرت الجنان ، وأينعت الثمار ، ولطمت الجمام ، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجندة ، والسلام عليك (5) .
وأؤكد هنا أن الحسين لم يثر طمعا في الخلافة ، ولا إيمانا منه بأنها حكرا على آل البيت كما يردد جهلة المتشيعة ، وإنما الرجل رحمه الله ورضي عنه كان شديد الغيرة لدين الله عز وجل ، فلم يصبر على ما سمع من أخبار تذكر أن حرمات الدين تنتهك ، وفي نفس الوقت لم يتريث حتى يتأكد من مصدر تلك الكتب التي كانت تأتي إليه بذلك ، بل لم يعط لنفسه الفرصة أو قل : لم يعطوه الفرصة ليستمع لنصح من نصحه حتى من أقرب المقربين له ..
وعزم بالفعل على المطالبة لنفسه بالخلافة فبعث ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة ؛ ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق، فتسامع أهل الكوفة بقدومه ( مسلم بن عقيل ) فجاءوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، وحلفوا له لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفا، ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفا، وعندها كتب مسلم إلى الحسين ليقدم عليها ، وأخبره بأنه قد مهد له البيعة والأمور.
وكان أميرا على الكوفة وقتها النعمان بن بشير الصحابي الجليل ، وهو رجل معروف بالتقوى والورع ، ولذلك لم يتعرض لأحد ممن اجتمع على مسلم بسوء ، ولكنه لما علم أنهم يريدون نقض البيعة ليزيد خطب فيهم ونهاهم عن الاختلاف والفتنة، وأمرهم بالائتلاف والسنة، وقال: إني لا أقاتل من لا يقاتلني، ولا أثب على من لا يثب علي، ولا آخذكم بالظنة، ولكن والله الذي لا إله إلا هو لئن فارقتم إمامكم ونكثتم بيعته لأقاتلنكم ما دام في يدي من سيفي قائمته (6).
والنعمان ما قال هذا الكلام إلا لعلمه أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ما دام لا يبدر منه ما يخالف شرع الله ، وهو واحد من الأمراء شاهد على عدل يزيد ومن قبله معاوية ..
وحاول واحد من جلسائه وهو (عبد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي ) أن ينصحه بالشدة مع من ينوون الفتنة ، وقال له : إن هذا الأمر لا يصلح إلا بالغشمة (الشدة ) وإن الذي سلكته أيها الأمير مسلك المستضعفين ، فقال له النعمان: لأن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأقوياء الأعزين في معصية الله (7).
ووصل خبر مسلم بن عقيل إلى يزيد فاضطر إلى أن يعزل النعمان بن بشير عن الكوفة ويعين عليهم رجلا أشد قسوة ، وكان هذا أول شؤم حل عليهم نتيجة خلعهم لطاعة أميرهم ، وحرمت الكوفة إلى الأبد من أمير في ورع وتقوى النعمان رضي الله عنه.
ودخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة وهي في ظروف غير طبيعية ، ولذلك كان لابد أن تكون ولايته متأثرة بتلك الظروف ، وكان عليه أن ينحي اللين الذي كان سببا في عزل النعمان جانبا ، ويأخذ أهلها بالشدة لتستقر له الأمور ، فصعد إلى قصر الإمارة وأمر مناديا فنادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس خرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين قد ولاني أمركم وثغركم وفيأكم، وأمرني بأنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، والشدة على مريبكم وعاصيكم، وإنما أنا ممتثل فيكم أمره ومنفذ عهده.(8) .
وكانت المفاجأة أن من التفوا حول مسلم بن عقيل بمجرد أن رءوا الجد من عبيد الله بن زياد تسللوا عنه حتى بقي وحيدا ، بل أرشدوا إلى البيت الذي اختبأ فيه ليلقى حتفه ..
وكان الخطأ الذي وقع فيه مسلم أنه لم يتأن قليلا حتى يعايش هؤلاء ويعرف مدى صلابتهم واستعدادهم للثبات معه وقت الشدة ، وإنما أسرع بالكتابة إلى الحسين تحت ضغط من زعماء المتشيعة ليدعوه للمجيء إلى الكوفة ، وعجل الحسين هو الآخر المسير بمجرد أن جاءته رسالة مسلم التي تصف اجتماعهم عليه ، ولو تمهل مسلم قليلا حتى جاء عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ورأى انصراف الناس عنه ما خرج الحسين من مكة ولا حدث شيء من مأساة مقتله ، ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا ..
وقد حاول بعض أقارب الحسين إثنائه عن الرحيل إلى الكوفة ، وحذروه من إغواء شيعة الكوفة ، وذكروه بما فعلوه بأبيه ثم أخيه الحسن من قبل، ومن هؤلاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الذي كتب إليه يقول: أما بعد، فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإني مشفقٌ عليك من الوجه الذي توجه له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنك علم المهتدين؛ ورجاء المؤمنين؛ فلا تعجل بالسير فإني في أثر الكتاب؛ والسلام.
ثم ذهب عبد الله من فوره إلى عمرو بن سعيد بن العاص والي الحجاز فكلمه، وقال: اكتب إلى الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان، وتمنيه فيه البر والصلة، وتوثق له في كتابك، وتسأله الرجوع لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع؛ فقال عمرو ابن سعيد: اكتب ما شئت وأتني به حتى أختمه، فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب، بسم الله الرحمن الرحيم، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي، أما بعد، فإني أسأل الله أن يصرفك عما يوبقك، وأن يهديك لما يرشدك؛ بلغني أنك قد توجهت إلى العراق، وإني أعيذك بالله من الشقاق، فإني أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد، فأقبل إلي معهما، فإن لك عندي الأمان والصلة والبر وحسن الجوار لك، الله علي بذلك شهيدٌ وكفيلٌ، ومراعٍ ووكيلٌ؛ والسلام عليك (9).
ثم أتى به عمرو بن سعيد فقال له: اختمه، وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد، فإنه أحرى أن تطمئن نفسه إليه، ويعلم أنه الجد منك، ففعل؛ فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر، ثم انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب، فقالا: اقرأناه الكتاب، وجهدناه، وكان مما اعتذر به إلينا أن قال: إني رأيت رؤيا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له، علي كان أو لي؛ فقالا له: فما تلك الرؤيا؟ قال: ما حدثت أحداً بها، وما أنا محدث بها حتى ألقى ربي.
ووصل على مقربة من الكوفة في "كربلاء " وهناك انفض عنه عامة من خرج معه إلا بقية من أهل بيته ، ويبدو أن هذا الفعل جعله يعزم على الانصراف راجعا ، وخاصة بعد أن ترجاه كثير من الناصحين ومن قادة الجيش الذي بعثه إليه ابن زياد ، وكان كل واحد منهم يتمنى ألا يبتلى بدمه ، لكن آل عقيل بن أبي طالب لما علموا بمقتل مسلم أصروا على الثأر لمقتل مسلم ، فدخل في مواجهة غير متكافئة انتهت بمقتله وكثير من آل بيته..
ومثل مقتله فاجعة كبيرة للمسلمين بقي أثرها إلى الآن ، وأكبر من تلك الفاجعة أن مقتله كسر حاجز الهيبة الذي كان لدى المسلمين من مس آل بيت رسول الله بسوء ، وصارت دماؤهم الزكية مستباحة فيما بعد لا يحس الناس بحرمتها .
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد ، وإنما أدى مقتله إلى وقوع الشحناء بين الأسرة الأموية الحاكمة وبين عامة الشعب ، إذ لم يغفروا لها ولوغها في دم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحملوها وحدها وزر مقتله .
فانتفضت المدينة غضبا للمأساة التي حلت به ، وثار عبد الله بن الزبير بمكة ، وحلت النكبات على يزيد بالشام ، فبعث إلى أهل المدينة النعمان بن بشير ينهاهم عما صنعوا ، ويحذرهم غب ذلك ، ويأمرهم بالرجوع إلى السمع والطاعة ولزوم الجماعة، فسار إليهم وفعل ما أمره يزيد ، وخوفهم الفتنة وقال لهم: إن الفتنة وخيمة، وقال: لا طاقة لكم بأهل الشام، فقال له عبد الله بن مطيع: ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا ؟ (10)
وأغضبت مقولة عبد الله بن مطيع النعمان ، فهو لم يبغ إلا وحدة جماعتهم وإصلاح أمرهم ، ورد على عبد الله معاتبا بقوله : أما والله لكأني وقد تركت تلك الأمور التي تدعو إليها، وقامت الرجال على الركب التي تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف، ودارت رحا الموت بين الفريقين، وكأني بك قد ضربت جنب بغلتك إلي وخلفت هؤلاء المساكين - يعني الأنصار - يقتلون في سككهم ومساجدهم، وعلى أبواب دورهم .(11). فلم يأبه بكلامه وعصاه باقي الناس فلم يسمعوا منه فانصرف عنهم ، يقول الراوي لتلك الواقعة : وكان الأمر والله كما قال سواء (12 ) .
كما نصحهم عبد الله بن عمر بمثل ما نصحهم به النعمان ، إذ دخل على عبد الله بن مطيع فقال : إنما جئتك لأحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه : " من نزع يدا من طاعة فإنه يأتي يوم القيامة لا حجة له، ومن مات مفارق الجماعة فإنه يموت موتة جاهلية "(13 ).
فلما رآهم مصرين على خلع طاعة يزيد جمع بنيه وأهله ثم تشهد وقال: أما بعد فإنا بايعنا هذا الرجل ( أي يزيد ) على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة ، يقال هذه غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر إلا أن يكون الإشراك بالله أن يبايع رجل رجلا على بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته " (14) .
وكذلك محمد بن الحنفية الذي قال لهم : ما رأيت منه ما تذكرون ( مما عابوه على يزيد ) ، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظبا على الصلاة ، متحريا للخير ، يسأل عن الفقه ملازما للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعا لك ، فقال : وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إلي الخشوع ؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا ، فقالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه.
فقال لهم : أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال: "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون" [ الزخرف: 86 ] ولست من أمركم في شيء ، فقالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نوليك أمرنا ، فقال: ما أستحل القتال على ما تريدونني عليه تابعا ولا متبوعا.
ولما لم تجد تلك النصائح معهم شيئا ، وأصروا على خلع طاعة يزيد ، اضطر إلى أن يفعل بهم كما فعل بأهل الكوفة فأرسل إليهم رجلا يسمى مسلم بن عقبة المزني ، وقال له : ادع القوم ثلاثا فإن رجعوا إلى الطاعة فاقبل منهم ، وكف عنهم ، وإلا فاستعن بالله وقاتلهم ، وانتهى الأمر بوقعة الحرة التي سالت فيها الدماء الزكية دون مراعاة لجوار رسول الله ، وكانت فاجعتها لا تقل عن مأساة مقتل الحسين رضي الله عنه .
وهكذا قُدر ليزيد أن تشهد فترة خلافته فاجعتين من أشد فواجع التاريخ ، مقتل الحسين رضي الله ، واستباحة المدينة ، ولم يعمر بعدها كثيرا فلحق بربه ، وقد حُمّل أمام المسلمين مسئولية الأمرين معا ..
واستخلف ابنه معاوية الثاني قبيل موته ، وكان في العشرين من عمره ، ولكن معاوية الثاني الذي عايش الأحداث السابقة ، ورأى أن أباه تحمل تبعاتها على غير رضا منه آثر أن يخلع نفسه ، ويلقي عن كاهله عبء التركة فنادى في الناس بعد أيام من وفاة أبيه قائلا : " الصلاة جامعة " ، فلما اجتمع الناس إليه قال : يا أيها الناس ! إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه، فإن أحببتم تركتها لرجل قوي كما تركها الصديق لعمر، وإن شئتم تركتها شورى في ستة منكم كما تركها عمر بن الخطاب، وليس فيكم من هو صالح لذلك، وقد تركت لكم أمركم فولوا عليكم من يصلح لكم (15).
وحدث بسبب تنازله عن الخلافة دون عهد لأحد ما كان يتخوف منه جده معاوية ـ رضي الله عنه ـ إذ نادى عبد الله بن الزبير لنفسه أميرا على الحجاز ، وبويع مروان بن الحكم أميرا على الشام ، وتنازع العراق عدة أمراء ، وظلوا على تلكم الحالة حتى اجتمع أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان على عبد الله بن الزبير ، وبقيت الشام ومصر في يد مروان بن الحكم ، فعين ابنه عبد العزيز على مصر وأوصاه بأكابرها خيرا ، وبقي هو بالشام ..
وكان مروان ـ رغم ما أشيع عنه ـ معروفا بالصلاح والفقه ، فقد جاء عن سالم أبي النضر أنه قال: شهد مروان جنازة فلما صلى عليها انصرف، فقال أبو هريرة: أصاب قيراطا وحرم قيراطا، فأخبر بذلك مروان فأقبل يجري حتى بدت ركبتاه، فقعد حتى أذن له (16).
وقال عنه معاوية : القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، الشديد في حدود الله، مروان بن الحكم . (17). وقال عنه أحمد بن حنبل : يقال كان عند مروان قضاء، وكان يتتبع قضايا عمر بن الخطاب ، وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول وذكر مروان يوما فقال : قال مروان: قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة ،ثم أصبحت فيما أنا فيه، من إهراق الدماء وهذا الشأن (18).
ونعود لحديثنا فأقول : إن الأمر انتهى باجتماع المسلمين على عبد الملك بن مروان بعد مقتل عبد الله بن الزبير ، وكان عبد الله قد ظل يُنادى بأمير المؤمنين تسع سنوات تقريبا ، وقد قام خلالها بتجديد بينان الكعبة ؛ لأنها قد أصابها شرر فاحترقت كسوتها وتصدع بعض جوانبها ..وكان قد بلغه أن رسول الله قال : « يا عائشة ، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لهدمت البيت حتى أدخل فيه ما أخرجوا منه في الحجر ، فإنهم عجزوا عن نفقته ، وجعلت لها بابين ، بابا شرقيا ، وبابا غربيا ، وألصقته بالأرض ، ولوضعته على أساس إبراهيم »(19) فوسعها وأدخل فيها الحجر ...
وقد امتد بأمه أسماء بنت الصديق العمر حتى شهدت وفاته فجاء إليها الحجاج معزيا وقال : يا أسماء إنني وعبد الله تسابقنا إلى تلك الخشبة ( التي صلب عليها ) فسبقني إليها ، ورحل بعدها أخوه عروة بن الزبير إلى دمشق فدخل على عبد الملك قبل أن يعلم بنبأ مقتل عبد الله فرحب به ، وأثناء الحديث قال له عبد الملك : كيف حال أبي بكر ( أي عبد الله ) فقال له عروة : إن أبا بكر قد بان ، فقال له : وما فعل ؟ قال : قتل يرحمه الله ! فخر عبد الملك ساجدا ، ثم قال له عروة : فهب جثته لأمه ، قال : أفعل ، وكتب إلى الحجاج يأمره بأن ينزله من على خشبته ويدفعه إلى أمه لدفنه .
ولما تمت البيعة لعبد الملك بالخلافة كتب إليه عبد الله بن عمر بن الخطاب يقول : بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن عمر إلى عبد الملك أمير المؤمنين ! سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإنك راع وكل راع مسئول عن رعيته " الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا" [ النساء: 86 ] لا أحد والسلام .(20). | |
|
قمر بنوتة جميلة ~
عدد مسآهمآتي ~ : 200 نقآططي ~ : 200 سٌّمعَتي ~ : 0 مززآججي ~ : جنســــيے ~ :
| موضوع: رد: نظرات في العصر الأموي (2 ) الثلاثاء يوليو 05, 2011 1:21 am | |
| | |
|
BaNaT WbS مديرة منتدى بنات وبس ~
عدد مسآهمآتي ~ : 978 نقآططي ~ : 2177 العمر : 25 سٌّمعَتي ~ : 0 مززآججي ~ : دَولِتے ~ : جنســــيے ~ :
| موضوع: رد: نظرات في العصر الأموي (2 ) الثلاثاء يوليو 05, 2011 2:29 am | |
| | |
|