نزول الوحي*
• كان محمد صلى الله عليه وسلم *عازفا عما فيه قومه من
ضلال وأحب منذ صغره حياة التأمل والتفكير والتدبير، فكان يخلو لنفسه فى داره حينا ،
ويخرج إلى الخلاء أحيانا ، وكلما زادت به السن ازداد بعدا عن الناس وإمعانا فى
التفكير ، لذلك التمس له غار فى جبل حراء ، وأصبح من عادته أن يخرج إليه كل عام معه
طعامه وشرابه ليقضى فيه بعض أيام شهر رمضان سابحا فى تأمله غارقا فى تفكيره، وطالت
تأملات محمد فى الغار وطال تفكيره فى خالق الأرض و السماء وأضاءت نفسه من طول
النظرة وأعمال الفكرة وكانت تزدحم الأفكار فى رأسة فيسير في الصحراء ساعات ثم يعود
إلى خلوته وقد صفت نفسه وانجلى ذهنه .
• و بينما رسول الله في خلوته بغار
حراء *نزل جبريل عليه السلام عليه فقال له: اقرأ*
فقال:ما أنا بقارئ
يقول
الرسول * : فغطني حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني*
فقال: أقرأ
فقلت : ما أنا
بقارئ
فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "
• فرجع بها
الرسول الله صلى الله عليه و سلم يرجف فؤاده فدخل على زوجته خديجة رضى الله عنها
فقال زملوني، فزملته، حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة بعد أن أخبرها الخبر: لقد
خشيت على نفسى ، فقالت خديجة : كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم ،
وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق .
و انطلقت به
خديجة رضي الله عنها حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد عبد العزى وكان عم خديجة وكان
امرأ قد تنصر في الجاهلية وكان شيخٌ كبير قد عمى، فقالت له يا بن عم اسمع من أخيك ،
فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى ؟، فأخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم خبر ما
رأى فقال له ورقة هذا الناموس (أي جبريل أو الوحي ) الذي نزل على موسى ،
*ياليتنى كنت جذعا (شابا قويا) ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك ، فقال رسول الله * :
أو مخرجي هم: قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك
نصرا مؤزرا ثم لم يلبث ورقة أن توفى وفتر الوحي * .*
• واشتد
ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم *، فكان يجوب شعاب مكة ، ويصعد جبالها عله
يقابل الملك الذي جاءه بالغار، ولم يلبث أن نزل الوحى عليه مرة أخرى يقول رسول الله
صلي الله عليه وسلم *: بينما أنا أمشى إذ سمعت صوتا من السماء ، فرفعت بصري فاذا
الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه ، فرجعت فقلت :
زملوني زملوني فأنزل الله عز وجل : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ
إلى قوله : وَالْرُّجزَ فَاهْجُر فحمي الوحي وتواتر . لقد دخل
الخوف والرعب رسول الله * مما سمع ورأى حتى أنه قطع خلوته فى الغار وأسرع عائدا إلى
البيت يرجف فؤاده.*
و بنزول الوحي كان ذلك اذانا بعهد
جديد فقد بدأ نور النبوة يسطع على ربوع الخليقة .